دولة أكاسرة الفرس وعلاقاتهم بالعرب والروم والترك

يتناول هذا الكتاب التاريخ السياسي والحضاري لدولة أكاسرة الفُرس، وعلاقاتهم بالعرب والروم والترك، وذلك خلال عصر الدولة الساسانية. وقد اعتمدنا في هذا الكتاب على نوعين رئيسيين من المصادر، هما المصادر التاريخية العربية، والأدلة الأثرية الفارسية، وتعتبر تلك الدراسة لبنة في بناء التوفيق بين النصوص المصدرية، والأدلة الأثرية المادية.
وقد استعرضنا في هذا الكتاب كيف كانت الأوضاع السياسية والحضارية في تلك الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، والتي مثلت فيها الدولة الساسانية مرحلة انتقالية تطورية بين نهاية عصر قديم، وبداية عصر جديد. كما ألقينا الضوء في هذا الكتاب على جميع أوجه الأنشطة الحضارية للفرس تحت حكم الساسانيين، وكيف أنهم أبدعوا في أكثر من مجال حضاري، وذلك بعدما قاموا بتطوير ما اقتبسوه من أنشطة حضارية ممن سبقهم من أقوام ودول.
كما يمثل هذا الكتاب دراسة شاملة لجميع أوجه العلاقات التي قامت بين أكاسرة الفُرس الساسانيين من جانب، وجيرانهم الثلاثة (العرب والروم، والترك) من جانب آخر. وكيف أن تلك العلاقات كان لها الأثر الكبير على الأوضاع الداخلية في الدولة الساسانية نفسها، سواءً الأوضاع السياسية والأمنية، أو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وقد استعرضنا في هذا الكتاب كيف أن بلاد فارس كانت تمثل إحدى التحديات الكبرى للدولة الإسلامية الناشئة، إلا أن مجموعة من العوامل، لاسيما العوامل الدينية منها، وفي مقدمتها مبشرات الرسول ﷺ ودعائه لربه آ بزوال وتمزيق تلك الدولة، أثره الفعال في تحطيم أسطورة تلك الإمبراطورية. ويمكن للقارئ لهذا الكتاب أن يلاحظ كيف كان للفتح الإسلامي لتلك البلاد ودخول الإسلام فيها أثره الحضاري على الفُرس، كما كان لهذا الفتح دوره في مساعدة المسلمين لمعرفة النظم السياسية والحضارية الفارسية، والاقتباس منها ما يناسب الكيانات الإسلامية التي قامت فيما بعد؛ أي أن التأثير كان متبادلًا بين الطرفين. ورغم ذلك إلا أنه وفي اتجاه معاكس استعرض هذا الكتاب التأثيرات الحضارية السلبية لبلاد فارس على المجتمعات والكيانات الإسلامية، حيث تسربت لتلك المجتمعات الكثير من الأفكار الفارسية الشاذة التي تتعارض مع الدين الإسلامي وحدوده، وفي مقدمتها بالطبع أفكار الشعوبية والزندقة.
وفي الختام نرجو من الله الأجر والثواب، وأن يحوز مؤلفنا هذا قبول القارئ، وأن يكون نبتة نافعة في حقول العلم والمعرفة.