أمراء وعلماء من كردستان في العصر العثماني

هذه أربع سير لشخصيات نابهة من كردستان برزت في العصر العثماني، وهي تتنوع في مجالاتها بين الحكم والبناء والعلم والأدب، ومن المؤكد أنها لا تزيد على أن تكون مجرد نماذج للكثيرين الذين عاشوا في هذه البلاد، فتركوا فيها من معالم الثقافة والحضارة ما كان يستحق أن ينبري لدرسه الباحثون، وأول أولئك الأعلام امیر بهدينان العظيم السلطان حسين الولي ( 940 - 981 ه / 1533 - 1573 م )، الذي تولى السلطة في لحظة بالغة الصعوبة من تاريخ بلاده، فاستطاع أن يجمع في شخصه كل صفات المحارب الباسل، والسياسي الداهية، والمعمر الباني، والعالم الراعي للعلماء والثقافة.

وثاني أولئك الأعلام الشيخ إبراهيم الكوراني، (1025 - 1101 ه / 1616 - 1689 م) ، عالم تمكن من البحث في )مسائل( فكرية عديدة، واكتشف أن هذه المسائل ما هي إلا جوانب من أزمة كان يمر بها الفكر الإسلامي، وأن خلاصة تلك الأزمة أن هذا الفكر فقد قدرته على تقرير الأشياء، مكتفية بتبريرها، وتوصل إلى فهم جديد بعبد الاعتبار لإرادة الإنسان في تقرير الأمور، وفي انحيازها إلى الحق ضد أوجه النقص التي تعتري المجتمع، والشخصية الثالثة هي العلامة المؤرخ صفاء الدين عیسی البندنيجي (1203 - 1283 ه / 1788 - 1866 م )، ذلك المثقف لم يكتف بتدريس العلوم الشرعية فحسب، وإنما مضى فيرس، ودرس، علوم عصرية، أهمها الكيمياء والفلك فكان أنموذجا لنمط جديد من العلماء لم تألفه البلاد منذ أن افلت فيها شمس تلك العلوم أما الشخصية الرابعة فهي مفتي بغداد، محمد سعيد الزهاوي ( 1268 -1339 ه / 1851 - 1921 م)، الذي قدر له أن يعاسر منعطفا مهما في تاريخ الحياة العلنية والسياسية في بلاده، بل قدر له أيضا أن يعيش في ثلاثة عهود مختلفة، عهد الدولة العثمانية، وشهد الاحتلال البريطاني، ففهد الدولة العراقية الحدينة، وبذا فإنه جمع بين التقليد والتجديد في آن واحد.